ليس بالضرورة ان تقترن كلمة قاتم او غامق بكلمة اسود، فهناك دائماً مساحة لذلك الاسود الكالح، او الباهت، او حتي الفاتح. صحيح ان الغالبية المظلمة في ذلك اللون تسيطر، مهما كانت الدرجة التي تصفها الكلمة التالية، لكن تلك الصفات وضعت الاسود في مصاف الألوان ذات الدرجات المتفاوتة، بعد ان كان متفردا بسواده.
****
ذلك اللون بالنسبة لصفية كان دائماً ذا معني، في الصغر عندما ارتدته الام واقاربها السيدات وقت ان سافر الاب الي حيث لم تعلم هي، كان يذكرها بأبوها الذي لم تره بعد ذلك اليوم، وكان هذا الجلباب الاسود الكالح الذي لازم أمها، هو الاسود الوحيد في حياة الطفلة الصغيرة.
وحتي بعد ان تخلت عنه الام، التي سبق أن أقسمت الا تخلعه، عندما تقدم لها احد أقارب زوجها الراحل، طالبا القرب، احتفظت صفية بالجلباب الكالح المعبأ برائحة دخان الفرن ولونه، وكلما أرادت رؤية والدها او شعرت بالحنين له، وضعت هذا الاسود علي وجهها وغاصت في ظلمته حتي النوم.
وكلما كبرت صفية كلما زاد تعلقها بالجلباب وسواده، خصوصا بعد تلك اللحظات التي كان يتملكها فيها الشعور باحتياجها للأب، مقترنا بالشعور بيد غليظة يملؤها شعر اسود قاتم، تمتد بين فخذيها، وتتحسس اماكن الإثارة هناك.
كانت اليد للقريب- الزوج، الذي راح جسد الصغيرة يفتنه اكثر من الام، حتي اصبح لا يقوي علي معاشرة الاخيرة، قبل ان تداعب يده ابنتها، فيشعر بالإثارة، ويعتلي الام، التي عادت الي السواد بعد المرة الأولي التي شاهدت يده فيها بين فخذي الفتاة.
وبينما كانت الزوجة تغمض عينيها عن فعلة الرجل، كانت صفية تدفن رأسها في الجلباب الاسود الكالح، ذلك الخاص بيوم رحيل والدها.
ظل الجلباب ملازما لها، حتي انه كان اول ما وضعته صفية في حقيبتها، وقت ان قررت الرحيل عن المنزل.
غادرت في الظلام، الي غير رجعة، ودون هدف محدد، ظلت تبحث عن مأوي حتي الصباح، عندما عثرت علي عشة ظنت انها مهجورة علي جانب طريق سريع.
كانت العشة مكان مناسب لفتاة لم تنم طوال ليلتها، لذا استلقت علي الارض فور دخولها والقت بحقيبتها الصغيرة تحت رأسها وراحت في نوم عميق، لم تصح منه الا علي شعور جديد بيد تتحسس ذات المكان.
انتفضت واستدارت فقفز فوقها ذلك المتحسس المتسلل، بشعر اسود غطاه التراب، فبدا باهتا، وعندما قاومته مزق ملابسها، واقتحم مكان لذتها بالقوة، وحصل علي مبتغاه، ثم رحل.
لملمت صفية جسدها العاري المنتهك، وغطته بجلباب أمها الاسود، وسارت ببطء بنفس مكسورة ومرهقة أيضاً، لمسافات طويلة لم تقدر علي حسابها، او حتي تذكرها، كل ما امتلأ به رأسها المحني، انها الان بلا مأوي او عذرية، وبلا هدف.
من جديد أغمضت عينيها واستحضرت سواد الماضي، وسارت في طريق يملؤه الناس، بينما لا تري هي منه الا اللون الاسود في كل مكان.
علي الرصيف، جلست، ساعات طويلة، وربما أياما، لم تحسب هي كم جلست، حتي ايقظها من سبات متعمد، ذلك الطفل الصغير، يمد يده اليها طالبا الطعام، قالها بصوت مرتعش "اريد لقمة"، وردت عليه بصوت خرج بالكاد من شدة التعب والجوع "وانا أيضاً".
بالقرب كانت حنان تراقب المشهد، هي ام الطفل، انجبته سفاحا من رجل شاركها المأوي الذي تنام فيه كل ليلة، تحت احد الكباري. ورغم انها لم تلتق به بعد ذلك، ولم تعرف حتي اسمه، احتفظت بالجنين، وأدركت فيما بعد ان السبب كان اقتناعها بمقولة قديمة سمعتها من سيدة عجوز تقول "العيال رزق".
وعملا بالمقولة فقد تحملت حنان مشقة الأشهر الأولي من عمر الطفل، حتي بدأت تحمله علي كتفها لتجلب من ورائه الرزق.
اقتربت حنان من الفتاة الجائعة المشردة التي افترشت الرصيف، عرفت قصتها، وعرضت عليها استضافتها، في الحديقة البعيدة التي تسكن فيها مع طفلها، الجائع دائماً.
في الطريق، وفي الحديقة، تقمصت حنان دور الناصحة الأمينة، وبدأت تمنح صفية خلاصة خبرتها، عن فن الحياة في الشارع.
"لا تغيري الاسود اذا كنت ترغبين في الحفاظ علي نفسك، فالجلباب الاسود ليس مثيرا ولا يوحي للزبون الا بالفقر".
"وفي المقابل أبحثي عن اللون الاسود، في ملابس الزبائن، في سياراتهم، في زجاج سياراتهم، فعندها ذات اللون يوحي بالثراء، والترف".
كان هذا هو سر الصنعة، الشحاذة، التي امتهنتها حنان منذ الصغر، والتي يبدو انها الخيار الوحيد امام صفية، الان علي الاقل.
اعلي الكوبري الذي تقف عليه حنان يوميا، تراقب طفلها، وهو يدق زجاج السيارات في الزحام، ليخبر أصحابها كم هو جائع، ومشرد، بدأت صفية اول يوم عمل لها.
علبتان كرتونيتان من المناديل الورقية، كانت وسيلتها لإقحام رأسها داخل كل سيارة، تماماً كما علمتها أستاذتها، الا انها لم تذكر أبدا ان الزبائن انواع، منهم من سينهرها بعنف، وسينظر لها باحتقار، ويتعامل معها باعتبارها مصدر الأوبئة، او مرعي للحشرات. وهم كثر.
وهناك من سيمنحها عملة معدنية او اثنتين، هي في الأغلب ليست ذات قيمة له، وهؤلاء قليلون.
اما النوع الثالث فهو ذاك الذي يفسر اقتحامها لسيارته، علي انه دعوة للتحرش بها. عندما يلتصق ثديها بزجاج سيارته، يمد يده المحملة بالخير، فتلمس هذا الناهد، وتأخذ مقابل صدقتها.
اكتشفت صفية الانواع الثلاثة سريعا، ولم تنكر بينها وبين نفسها انها فضلت النوع الثالث، لانه في الحقيقة كان يثيرها، واعترفت ذات يوم لحنان ان النظرة التي تراها في عين شاب يلمس جسدها خلسة، بينما ترتدي جلبابا اسود فضفاضا، تروق لها.
ثم تطور الامر، اصبحت صفية تبحث فقط عن ذلك النوع، ما ان تراه من بعيد حتي تتعمد السير بخلاعة مبتذلة، الي حد ما، امام سيارته، وباتت تقنع نفسها انها لا تتسول، لكنها تأخذ مقابل ما تعطي.
منحها هذا الشعور سلاما داخليا، جعلها تفكر في خطوات لتنمية إمكانياتها، بدأت بتضييق جلباب والدتها الاسود، من منطقة الصدر، ثم راحت تفك أزراره واحدا تلو الاخر، حتي بات صدرها مكشوفا، كلما انحني ظهرها بالزاوية التي تفضلها لممارسة "عملها".
ورغم ان صفية تجاهلت فيما بعد كل نصائح حنان، المتعلقة بإظهار الفقر والجوع والحاجة، امام الزبون، وتعاملت في بعض الاحيان بندية المنطق ذاته، "تأخذ مقابل ما تعطي"، الا انها لم تتخل عن نصائح اللون الاسود، فهؤلاء قائدو السيارات السوداء كانوا دائماً هدفها الاول، لا سيما انها ظلت ترتدي ذات الجلباب.
كانت تشعر بأن الاسود هو قدرها، تلهث وراءه، ويتبع ظلها، وهكذا كان عندما اصبحت معروفة بجلبابها الاسود في تلك المنطقة، للدرجة التي حولت مكان عملها الي نقطة التقاء بعض الشباب المتعطش للمسة مسروقة، وربما اكثر.
تلك الليلة غاب القمر تحت غيامات سحب الشتاء المحملة بالأمطار، وقررت وزارة الكهرباء إطفاء أعمدة الكباري لفترات معينة بهدف الترشيد، واصبح السواد يخيم علي المكان، يقطعه فقط كشاف سيارات تمر مسرعة علي فترات متباعدة.
ليلتها يأست صفية من مكسبها، لكنها جلست علي الرصيف علي امل العودة بثمن عشاء ساخن، يعينها علي تحمل برد الحديقة- المأوى، عندما توقفت بالقرب منها سيارة، وأطلقت نفيرها مرتين متتاليتين للفت انتباهها.
كانت السيارة المثالية، فارهة، سوداء، مغلقة النوافذ، المعتمة سلفا بفعل لونها الاسود، وبداخلها رجل، متوسط العمر، بحلة سوداء أيضاً، وشعر كثيف، اسود، مرتب بعناية.
وقفت، استعدت، تأكدت بحركة سريعة، محترفة، ان أزرار جلبابها مفتوحة، وانه لا عائق امام يد الزبون المثالي، ليعبث بثديها المتدلي منه، مقابل ان يدفع ثمن العشاء.
خطوات قليلة كانت تفصلها عن السيارة، راودتها الفكرة خلالها، "ماذا لو طلب اكثر من ذلك؟، الليلة مظلمة، والسيارة بزجاج اسود، والمقابل حتما سيكون كبيرا"، ثم عادت لترفض، "لا بأس بلمسة عابرة، فقط لمسة، لن اسمح بأن اتحول الي حنان جديدة، مع طفل دون اب، مشرد، وجائع، طول الوقت.. تكفي لمسة".
لم يكن الاختيار متاحا لصفية، التي لاصقت بجسدها السيارة كالمعتاد، وانطلقت تقول عباراتها المحفوظة عن ظهر قلب، وبدا الامر طبيعيا، حيث راحت يد الزبون الي حيث تعلم جيدا، وبدأت تأخذ مقابل ما ستعطي، غير ان الوقت طال.
ظهر ثدي الفتاة أبيض، خلف الجلباب الاسود، أضاء العتمة في عين الرجل، الذي أمسكها بقوة عندما بلغت رغبته مداها، فتح باب سيارته بسرعة، ترجل، وجذبها بعنف الي الداخل، اطفأ انوار سيارته التي كانت لا تزال مضاءة، تأكد من إغلاق الأبواب بإحكام، فبدت السيارة من الخارج، كتلة سوداء معتمة، تقف في سكون علي جانب الكوبري.
اما في الداخل، كانت صفية تصرخ في وجهه، لكن دون صوت، تتوسل بغير حس، ترجوه ان يتركها بلا رغبة حقيقية في ذلك، بينما كانت يده تطمع في اكثر من لمسة عابرة، راحت تتفحص جسدها، كل جزء فيه، بعنف وشهوة، وعندما بلغ الذروة، قفز من مقعده، رفع جلبابها الاسود، غطي به وجهها، الذي لم يكن يحتاجه البتة، وأخذ ينهل منها.
اما هي فقد أمسكت جلبابها المفضل، دفنت فيه وجهها، وراحت تتذكر ذلك اللون الذي ارتدته أمها في الصغر وقت ان رحل الاب، والذي غطت به رأسها بعد ان امتدت عليها يد القريب- الزوج، والذي سترها بعد ان مزق الغريب ملابسها، ثم فتح لها ابواب الرزق السهل، بعد ان ضاق صدره وفكت ازراره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق