الاثنين، 18 نوفمبر 2013

ساعة الحائط

في تمام التاسعة، سمع النغمة التي تطلقها ساعة الحائط، -المفضلة لديه-، وللمرة الأولي انزعج من صوتها، تذكر وهو مغمض العينين، حفيده، الذي سمع منه كثيرا عن حكايات تلك الساعة، كيف كانت تعيده الي طفولته السعيدة، التي عاشها وسط اسرة من أغنياء البلد.
حكي للصغير عن الساعة التي ورثها أبا عن جد، وعن ثمنها حين اشتراها جده الاكبر، انزعج اكثر عندما تذكر ان حفيده رحل دون ان يعرف الحقيقة.
طالما كان يود بعد رحيل الطفل ان يعيد الزمن، ليقص عليه رواية اخري.
"كنت فقيرا، معدما، لم يقترب حلمي يوما من ساعة كتلك، حيث كنا ندرك قوت يومنا بالكاد"، ردد تلك الكلمات بينه وبين نفسه مرارا، كأنما يذكرها بالحقائق التي زيفتها رواياته. وفي بعض الاحيان كان يشعر بأن الصغير يسمعه، ويصدقه، ويغفر له كذبه.
فتح عينيه، للمرة الأولي منذ اشهر طويلة، رأي العالم مختلفا، ليس السرير سريره، ولا المكان يخصه، ولا احد قريب من حوله، وحدها ساعة الحائط، المفضلة لديه، التي يعرفها. حاول ان ينطق، لم يقدر، بصعوبة رفع رأسه من علي الوسادة، والقي نظرة متأنية حوله.
التأني كان عادته دائماً، حتي وان اختلف علي تسميته مع زوجته، التي كانت تفضل ان تطلق عليه بطء، وكثيرا ما عايرته في مواقف مهمة، مستخدمة ذات التعبير، "انت بطئ في كل شئ".
اما هو غير المقتنع برأيها، فكان ينسب كل نجاحاته في الحياة الي ذلك التأني- البطء، فقد كان يري انه اجتهد بتأني في دراسته، فكافأه الله بدخوله كلية عسكرية، -كانت الاعلي والاهم بين الكليات وقتها-، ثم تأني في علاقته بالاخرين فيها، فعرف عنه الحكمة والهدوء والرزانة، وهي الصفات التي أهلته ليكون في موقعا قياديا بالجيش بعد ذلك، وبفضل تأنيه في مواقفه التي اتخذها من القادة، والزعماء، وعدم اتباعه للمتسرعين، ترقي وصعد بسرعة ملفتة، ولانه تأني قبل الظهور بالقرب من الرئيس الذي سبقه، اختطف الموت ذلك الاخير دون ان يمسه بسوء، فتغير قدره تماما.
نظرة واحدة حوله أدرك فيها انه وحيدا، حرك يده اليمني ببطء، فعثر علي زر، وضع خصيصا بجوار يده لاستدعاء المساعدة. فكر قليلا ثم ضغط الزر.
بسرعة انفتح الباب، دخلت تلك الفتاة، قمحية البشرة، ممتلئة الجسد، نوعا ما، متوسطة الطول، ذلك المظهر وتلك الهيئة التي تذكره بالنساء في قريته. في بداية شبابه كان هذا النوع من الفتيات يعجبه، حينما كان الرجال يقدرون جمال المرأة بعدد الكيلوات التي تزنها، لكن هذا الذوق تغير مع أشياء كثيرة تغيرت في شخصيته.
لم يفكر كيف استسلم لها، تقلبه يمينا وشمالا، ربما لانه أدرك وقتها ان جسده اصبح واهنا، ضعيفا، وان يديها القويتين سترغمه علي الخضوع لها، شاء ام أبى.
قلبته، وفحصته، ثم قالت له بحدة ملحوظة، "لماذا ناديتني؟".
تردد برهة قبل ان يجيب، كان يفكر بالطريقة الي يجب ان يتحدث بها، بعنفوان وكبرياء وسطوة وقوة، ام بخضوع ووهن؟، هو لا يدري الان كيف اصبح، بالكاد يري نفسه في مكان واسع، راق لكنه فارغ، الا منه، اين الأهل، والأصدقاء، والحرس، الذين كانوا ملازمين له، ليل نهار؟
دقيقة واحدة، ثم أجابها "اريد ان اعرف اين انا؟"، قالها باستكانة تحمل شيئا من الكبرياء المهزوز، حاول ان يستجمع شتات صوته الذي كان يأمر وينهى به في السابق، لكنه خانه، وخرج متحشرجا، مريضا، مسموعا بالكاد.
ربتت علي كتفه، باستهانة، شعر بها، واجابته وهي تغادر الغرفة "انت في اكبر مستشفي في البلاد". قبل ان يستعيد قدرته علي الكلام، وطريقته الحادة التي اعتاد عليها، قبل ان يطمئن الي انه مازال هو الآمر الناهي، ويعنفها علي طريقتها غير اللائقة، قبل ان يستفسر منها علي ما حدث له، أشارت هي بيدها غير مبالية، وقالت "سأرسل لك من يشرح ويحكي فأنا مشغولة".
دهشته من الطريقة التي حدثته بها، كانت تساوي تقريبا دهشته من كثرة الشعر الابيض الذي ظهر في رأسه، عندما رآه في المرآة الكبيرة المقابلة له، تساءل في حيرة، "كيف تركوا شعري يبدو هكذا؟، وكم لبثت هنا من الوقت ليظهر كل هذا الشيب؟".
كان شكله مختلفا، لم يعتد علي مظهره هكذا أبدا، كانت كل شعرة بيضاء تبدأ في الظهور، تتغلب عليها فرشاة الحلاق التي تصبغها باللون الاسود، قبل ان تشق طريقها في رأسه. لم يتذكر انه رأي إحداها يوما.
دقائق معدودة انتظرها، قبل ان يأتيه احدهم ويقول "بم تأمر يا سيدي؟"، أخذ هو وضعه علي السرير، كرئيس، هندم بيجامته وقال بصوت بدا غليظا مفتعلا، "اين الحرس؟، وأين زوجتي، والأولاد؟، ومن أتي بي الي هنا؟، ومنذ متي؟، اريد الخروج، دعهم يجهزون سيارتي، والتشريفة لا تنسها، يجب ان أعود بقوة"، كان وجه الرجل المسئول، جامدا، صامتا، لا يتحرك، ولا يبد اي تأثر، سلبي او إيجابي، في الواقع لاحظ الرئيس انه غير متعاطف، وان الطريقة التي سأله بها ربما تأتي بنتائج عكسية، فالرجل غير عابئ بمركز الرئيس، او هكذا بدا، سأله الاخير وقد تغيرت نبرته تماماً. بصوت منخفض "اين حفيدي؟".
كانت إجابة الرجل صادمة، فذلك الذي ارتدي حلة كاملة، وربط عنقه برباط أنيق ذي ألوان زاهية، تجاهل كل الأسئلة وقال بطريقة عسكرية "هل تحتاج الي شئ يا سيدي؟".
انفعل الرئيس، صرخ في وجهه، "اريد إجابات، الا تفهم؟!"، سبه بأسوأ الألفاظ، وخاض في عرض والداه، حاول استفزازه، او استنطاقه، "دعهم يجلبون لي .... غيرك ليجيبني"، لكن الرجل ظل صامتا، جامدا، لا يجيب، فقط ينظر اليه بتأمل، وما ان افرغ الرئيس شحنة انفعاله، قال الرجل بأدب ملحوظ "سأكون في خدمتك، حالما تحتاجني"، وانصرف قبل ان يسمع الرد، ربما هرب من مواجهته ثانيا، او ضاق صدره بما سمع.
كانت ساعته المفضلة تشير الي العاشرة الا ربع، حين سمع الرئيس دقات قدم يعرفها جيدا، اعتاد علي صوتها لسنوات، وشعر بألفة يحتاجها، ويشتاق اليها، ظهرت علي وجهه ابتسامة حاول تحجيمها، واعتدل في فراشه، ثم قرر النهوض مسرعا، قدر الإمكان، للجلوس علي الكرسي الوثير الذي يواجه الباب، وانتظر الضيفة المتوقعة.
ربع ساعة تقريبا انتظرها الرئيس، قبل ان تدق ساعته المحبوبة، وتظهر هي، بوجه شاحب، تغطي اغلبه نظارة شمسية سوداء، نظر اليها باندهاش، كأنه لم يعرفها يوما، تفحصها، الملابس ذاتها، لكن الجسد انحف، الشعر وتقاسيم الوجه يشبهان تلك التي عاش معها عمر طويلا، باستثناء غيامات الحزن والاكتئاب، التي لم يرها أبدا تحتل كل تلك المساحات حول عينيها، وفي جبينها.
"صباح الخير"، قالتها ببرود شعر برعشته في جسده، ووضعت قبلة تقليدية باهتة علي خده، كاد ان يسألها بعدها "من انت؟"، جلست علي الكرسي المجاور له، خلعت نظارتها، ثم سألته "متي استرديت وعيك؟". لم يفهم سؤالها، استنكره، سألها بانفعال "ماذا تقصدين بسؤالك؟، ما الذي حدث لي؟، هل فقدت وعيي؟!".
باقتضاب وحزن حكت له ما حدث قبل عام "تمرد الشعب، رفض استمرارك في الحكم، طالبك بالرحيل، حاصرنا من كل جانب"، قاطعها مرتبكا متلجلجا، ببعض كلمات غير مكتملة، ثم بدا عجوزا كهلا لا يقو علي الحركة، امسك رأسه بين يديه وباغتها بسؤال: اين حفيدي؟
قفزت فجأة الي ذهنه صورة حفيده، يجلس علي رجليه، بينما ينظران معا الي ساعة الحائط.
"تحبني اكثر ام الساعة؟" سأله الطفل، "الساعة جزء من تاريخي، وانت كل ما راح وما سيأتي". يومها وعد الجد حفيده بأنه سيرعي بنفسه كل أيامه، سيشرف علي حاضره ومستقبله، وسيمهد له الحياة تحت قدميه.
"اين حفيدي؟، ماذا فعلتم به؟"، صرخ في وجه زوجته مجددا، لكنها لم تندهش، لم تحرك ساكنا، قامت بهدوء، أمسكت بريموت التلفاز، وضغطت علي رقم القناة الذي تحفظه جيدا منذ دخل هو المستشفي.
"كنت تتعامل بهدوء مع الوضع الجديد، استقبلت الامر بأريحية، قبل ان تفقد وعيك، ونفقده معك"، وقبل ان تتحدث عن بطئه المعتاد الذي ادي بهما الي ذاك الحال، وعما فقدته بسبب كبر سنه، وجدته يقول "أتعلم يا حبيبي شيئا عن تلك المرأة؟، جدتك الجميلة المتغطرسة؟"، كان مشهدا اخر يسيطر عليه، حوار لم يدر بينه وبين حفيده، تخيله، او ربما تمناه.
"كانت جدتك من اسرة عريقة لكنها فقيرة، لذا كان همها الاول بعد ان صرت رئيساً، ان تجمع مالا، وان تظهر كالاغنياء، تعجرفت علي الجميع، وانا معهم، استبد بها الغرور حتي مع اقرب الأقرباء، نافقها من حولها، كانوا يمدحون جمالها ورقتها، أمامها، بينما يلعنون أسلافها في الغرف المغلقة.. سمعت احدهم ذات يوم". ضحك ساخرا، بينما صرخت "مجنون.. معتوه.. لقد فقدت صوابك ثانية".
بحثت في هاتفها المحمول عن رقم الطبيب، حدثته بانفعال، وصفت له الحالة ببعض المبالغة، "انه في عالم آخر، يتخيل أشخاص غائبين، يتحدث معهم، ويضحك، يروي أشياء لم تحدث، لقد جن تماماً"، أنهت المكالمة، وحملت حقيبتها بسرعة، واتجهت ناحية الباب كأنها تهرب، نظرت اليه من بعيد وقالت "لن تراني ثانية.. لقد مللت الحياة بسببك". ثم اختفت خلف نظارتها السوداء.
الحقيقة التي كانت تعلمها وتدركها جيدا انها تنتظر ذلك الموقف منذ شهور، تبحث في كل زيارة عن سبب يجعلها الاخيرة، كانت تتمني ان يفيق من غيبوبته ليتحدث، ليعنفها كما كان يفعل في شبابه، ويسخر منها ومن ارستقراطيتها المنفرة، كانت قد ملت الظهور في المستشفى، دون حرس، يسبقونها ويفتحون لها الأبواب، دون كاميرات تلاحقها من كل جانب، او صديقات تقفز من عيونهن نظرات الإعجاب ممتزجة بكثير من الحقد والحسد.
تركته في الغرفة، مع كل الأعباء والضغوط التي تحملتها منذ سكن جدرانها الاربعة، اما هو فقد تجاوز الموقف كأنه لم يحدث، استكمل الحوار مع حفيده قائلا "جنون جدتك وغطرستها كلفاني الكثير منذ اصبحت رئيساً، قاطعت الأهل، والأصحاب، وحتى الأحباب"، صمت فجأة، وابتسم، ثم اغمض عينيه وبدا مستمتعا بشئ يراه ويشعر به وحده.
عطر ناعم يشعره دائماً بالبهجة، راح يملأ به رئتيه، يأخذ شهيقا كبيرا ويحبسه برهة بين ضلوعه، ثم يزفره ببطء، وباستمتاع، ظهرت صاحبته امام عينيه، رآها تبتسم له، تقترب منه فيخلج قلبه وعقله، هي الحبيبة التي كان يحكى عنها لحفيده، هي كل الأحباب الذين قاطعهم بسبب جدته، هي تحديدا قاطعها مرغما للأبد.
التقاها قبل عشرين عاما، في حفل خاص، ولم تستغرق اكثر من ثوان لتستولي على انتباهه. تطور الامر بينهما بسرعة واصبح الزواج مطلبا ملحا لكليهما.
كانت علاقتهما مختلفة، تصغره هي بأكثر من نصف عمره تقريبا، ورغم ذلك يلح هو على الزواج منها، ويرفض ان يقيم معها علاقة عابرة، للمرة الاولى يفكر في الزواج على شريكة عمره، وكانت الاخيرة.
تسربت الاخبار للزوجة المتسلطة، واتخذت إجراءاتها لتختفي الحبيبة نهائيا، عالجت الامر في هدوء، واكتفت بتعليق مقتضب قالته في عجالة بعد الغذاء، "طول عمرك بتحسبها غلط وبتورطنا معاك". لم يفهم حينها الكلام، لكنه شعر بوخزة قوية في صدره ألهته عن الاستفسار.
عاد الحفيد يسأل "ماذا عن الأهل يا جدو؟"، وراح يجيب. ساعة تقريبا قضاها الرجل مع حفيده يحكي له عن ذكريات حقيقية هذه المرة، لم يكذب في كلمة واحدة ولا حتى وصف لموقف او مشاعر، لم يقاطعه سوى ساعة الحائط، بلغت الحادية عشرة، فانطلق صوتها مع صوت من التلفاز يعلن عن موعد نشرة الاخبار.
"طاب مساءكم" قالها المذيع، ثم بدأ يقرأ أحوال البلاد، مظاهرات، حادث قطار، ومظاهرات، ثم سقوط عقار، واعتصامات، مجلس نواب، حالات شغب، بلطجة، ومظاهرات. "اين أنا؟"، سأل حفيده، لكنه لم يره تلك المرة، راح يبحث بعينيه في كل الجوانب، لم يجده، ثم تسمر وجهه امام الشاشة فجأة، صورة حفيده، مبتسما، متأنقا، تملأ التلفاز، "لكنه اكبر من عمر الصورة الان، تلك في الخامسة، وهو الان في السابعة"، بدأت دقات قلبه تسرع، حتى انه وضع كفه على صدره ليمسك به قبل ان يهوى.
كان صوت المذيع مؤلما، حادا، وموجعا، "في ذكرى وفاة حفيد الرئيس السابق، توجهت الاسرة الي مدفنه، ووضعت باقة ورد على قبره".
وفاة، مدفن، قبر، "هل قال تلك الكلمات حقاً؟"، "هل سمعته فعلا؟"، بانفعال هز السماعة المختفية خلف أذنه اليمنى، واتجه نحو الزر المجاور لفراشه، ضغطه عدة مرات متتالية، في عجالة حضرت الممرضة ورجل الامن معا، قابلهما بهستيريا، "ماذا حدث لحفيدي؟، ماذا يقول التلفاز؟، هل رحل؟، لمن تركني؟، كان يدور في الغرفة دونما هدف، حول نفسه تارة، ثم حول الأثاث تارة اخرى، "كيف تخلى عن أحلامي؟، أين أنا؟، أين الحرس؟، ورئيس ديواني؟، أين حبيبتي؟، أرحلت معه؟"، دار ودار ثم سقط، على الكرسي الوثير اسفل الساعة، التي دقت مرة واحدة عند الحادية عشرة والنصف.
تذكر وهو مغمض العينين حفيده، وبصوت واهن خافت قال "كنت فقيرا، معدما، لم يقترب حلمي يوما من ساعة كتلك، حيث كنا ندرك قوت يومنا بالكاد، تلك هي الحقيقة يا حبيبي، سأحكيها لك الآن بغير زيف ولا خداع"، ثم سكت.

قلم ومؤخرة

بالنسبة له سيظل ذلك اليوم الذي دخلت فيه الزميلة مكتبه بحجة انها تطلب منه التعيين، بينما استغلت نقطة ضعفه الشهيرة لتصوره وهو يتحرش بها، يوما فارقا في حياته، ليس فقط لأنه يوم أطاح به من أعلى منصب صحفي كان قد وصل اليه بعد عناء وطول صبر و"مرمطة" كما كان يقول دائماً، لكن لأنه أيضاً وضع كلمة النهاية لتاريخ طويل اشتهر فيه بين المقربين بأنه كبير المتحرشين.
المرأة عنده تتلخص في مؤخرة جميلة، او ربما سمينة. فقد كان هو النازح من الجنوب يضع لنفسه مقاييس خاصة لجمال المرأة، تحددها المؤخرة فقط.
العريضة منها تساعده على التحرش الآمن، وكذلك الممتلئة، اما البارزة فهي مثيرة جنسيا لكنها مثيرة للمشاكل احياناً، لذلك كان يركز في كل مرة على النوعين الأولين، ويكتفي فقط باختبار النوع الثالث بشكل سطحي، ويتجاهل تماماً اية انواع اخرى.
رغم ذلك المبدأ فإنه يتذكر جيدا المرة التي تحرش فيها بإبنة الجيران التى لم تكن ذات مؤخرة جميلة، لكنه فعل بها ما فعل ليكسر الخوف الذي كان يتملكه كلما رأى والدها في الشارع او على سلم البيت. كان يتجنبه كما تتجنب الفئران القطط السمينة، ربما لأنه كان يشعر دائماً ان الرجل يفضح أمره، لأنه استقل معه الاتوبيس ذات مرة وكان ينظر اليه نظرات مريبة.
في هذا اليوم كانت ابنة الرجل بصحبة أخيها الأصغر، في مشوار عائلي، ركب ورائهما الاتوبيس ذاته، وما ان استقرا في مكان، حتى حدد هو وجهته، تقدم نحو الفتاة -النحيفة- وقرر التحرش بها، ليس من الخلف ككل مرة، لكنه وقف بجوارها، كتفها في صدره، وذراعاه تحيطها من الامام والخلف، امسك في الماسورة المثبتة في سقف الاتوبيس، وترك جسده يتمايل مع اهتزاز عجلاته، وفي كل انحناءة لليمين يغرز قضيبه في المنطقة التى تواجهه.
في البداية لم تلاحظ الفتاة سوى ان شئ ما حجري الملمس يصطدم بأجزاء مختلفة منها، ثم انتبهت لما يحدث عندما لاحظت ان الرجل بجوارها يحدق فيها، يتعمد النظر مباشرة الي عينيها، كأنما يريدها ان تعرف انه يتحرش بها، وكان إحساسها حقيقيا.
من جانبه هو كان يثيره ان تعرف ما يفعله، يستمتع لخوفها الظاهر من ان يلتفت اخوها ويرى ذلك المشهد، وفي الوقت ذاته تعجبه نظرات الانكسار التى يتخيلها تملأ عين الاب المخيف بعد ان يتحرش هو بابنته.
لكن كيف سيعرف الاب؟ هل ستحكي له عما حدث؟ وماذا سيكون رد فعله؟ هل سيتركه ينجو بفعلته بينما يكتفي بالانكسار أمامه؟ ام انه سيوسعه ضربا حتى تنكسر عظامه ورأسه؟ ثم يؤجج رغبة أهالي المنطقة في طرد ذلك المغترب الهائج المتحرش فيفقد مأواه الذي وجده بصعوبة بسبب الفقر؟ او ربما يزيد العقاب عن الحد ويفكر الاب في ان يحمي كل البنات من شره فيفقده ثروته الوحيدة؟
أسئلة سريعة ومتتالية نزعت عنه لذة التحرش بإبنة الجار المرعب، انتكس عضوه، وتحولت النار المشتعلة فى جسده الي قطرات من العرق بللت رأسه وملابسه. عرق الخوف لا الشهوة. التفت يمينا ويسارا، بحث بعينيه سريعا عن مهرب، وبدأ يتراجع عن جسد الفتاة الضئيل، للخلف عاد ولم يتقدم، كان يخشى النظر الى أخيها الطفل، ارتعب من فكرة ان يراه الصغير، مجرد الرؤية، ان يحكي لوالده انه كان يركب معهما الاتوبيس ذاته، وان يفهم الاب، ويفضح أمره كالعادة. ظل يتراجع جبانا، مبللا بالعرق، تفوح منه رائحة الخوف وشدة الحرارة، حتى قفز من الباب الخلفي للاتوبيس.
تنفس الصعداء عندما لمست رجلاه الارض، وكلما تذكر تلك الواقعة، ضاق صدره، ونفض رأسه بعنف ليزيح ذكراها من عقله، حتى بعد ان ابتسمت له الدنيا وفتحت أبوابها، كان ذلك المشهد يؤرقه في لحظات عدة.
كتب كثيرا عن التحرش، انتقد وهاجم وطالب المجتمعات المدنية بالتصدي للظاهرة، كأنه لم يفعلها يوما، تحدث عنها بلغة العارف بالأمور، حتى ان بعض العالمين بتاريخه علقوا على كتاباته بجملة توفيق الدقن الشهيرة "أحلى من الشرف مفيش".
ورغم انه صار من اصحاب السيارات، والوجوه المعروفة إعلاميا، الا ان حنينا كان يجذبه الى الاتوبيس او على الاقل الى الميكروباص، فهناك التلامس مسموح بفعل الزحام، حيث تتشابه الوجوه المشهورة والمغمورة، وتختلط الروائح المختلفة لتصنع عطرا واحدا يسود المكان، مزيج مقزز من الشهوة والضعف، والخوف، والذل والندالة.
ذات مرة غرس قضيبه في كتف امرأة كانت تجلس أمامه على كرسي الاتوبيس. شعرت به السيدة منذ اللحظة الاولى، وراحت تزحزح نفسها بعيدا في المساحة الضيقة التى تفصلها عن الجالس بجوارها، ثم استسلمت، وتوسلت، طالبته بالابتعاد بصوت خفيض، متعللة بأن كتفها مصاب، وكان يرد بحقارة متعمدة، "خلاص قربت اهو".
كانت المرأة قبيحة، وضعيفة، وكان هو محتقنا بشهوته، لم يشغله وجهها كثيرا، ولم يلتفت لمؤخرتها، فقط كان يريد جسدا طريا يفرغ فيه ما يؤلمه ثم يرحل.
في الجريدة حيث يعمل تتردد أقاويل عن زميلات حصلن على ورقة التعيين لأن مؤهلاتهن/ مؤخراتهن مناسبة، لكن أحدا لم ير بعينه، فقط هناك من دخلن وخرجن دون أن يعرف الزملاء من هن أو ماذا يفعلن.
من على مكتبها كانت هي تراقب، تسمع جيدا ما يقال، تعمل بجد لكنها لا تنتظر التقدير، تتجنب التواجد معه في المكتب، أو حتى المشي أمامه، تخفي مؤخرتها بملابس فضفاضة، لا تناسب جسمها الممشوق حتى لا تتحول الى احدي حكاياته.
كان لديها طموح كبير في التعيين والترقي، لذا اكتفت بأن تنكب على العمل وأن تقتصر علاقتها على عدد محدود من الزميلات، وفسر ذلك السلوك استمرارها لمدة طويلة داخل الجريدة دون أن تحيطها الشائعات.
عندما أكملت عامها الثاني بالجريدة، ولم تسمع أخبارا عن التعيين، وقد بدأ الطموح يتلاشى، قررت الدخول الى مكتبه للمرة الأولى، وتعمدت أن يكون المكتب مزدحما هربا من الانفراد بها، عدلت ملابسها الواسعة، أخفت كل ما استطاعت اخفاؤه من مؤخرتها، طرقت عليه الباب واستأذنت في الدخول، ثم كان الخروج سريعا.
عاملها الرجل بوقاحة، استخف بها، أهانها أمام الزملاء، سمعت ضحكاته على مظهرها واستخفافه بمؤهلاتها ومؤخرتها وهي تخرج من الباب.
لم يحدثها الرئيس عن مجهودها في العمل، ولم يناقش معها حيثيات طلب التعيين، لم يقدم لها ولو وعدا بالنظر في الأمر. خرجت مصدومة، مذهولة، مقتنعة بكل ما يتردد حوله، عاقدة عزمها على أن تحصل على التعيين بالطريقة التى تناسبه.
في اليوم التالي كانت شخصا آخر، بملابس ضيقة قصيرة، تكشف عن قوام متناسق، بمؤخرة مثالية. قضت أغلب وقتها تروح وتغدو في طرقات الجريدة، واختارت بعناية اللحظة المناسبة.
طرقت ذات الباب مرة أخرى، لم يعرفها صاحب المكتب الفخم، دعاها للجلوس، لكنها فضلت الوقوف الى جواره، أخبرته أنها تعمل منذ سنتين، وأنها تطلب التعيين، تمايلت ووضعت مؤخرتها على طرف المكتب، ولاحظت ارتعاشة يده.
اقترب منها، لاحت في انفه رائحة عرق الاتوبيس، وشعر جسده بالحرارة نفسها، درس الموقف بنظرة سريعة، بينما وضعت يدها في جيبها وأخرجت هاتفها المحمول، كانت قد ضبطته على وضع التصوير.
اقترب اكثر، اتخذ الوضع المناسب للتحرش، حركته المؤخرة الجميلة كما المنوم مغناطيسيا، تحجر قضيبه وهو يتهيأ للانغماس في مكانه المفضل. أغمض عينيه وترك نفسه للنشوة، وقبل أن يغرق في الحالة صرخت.

أسود فاتح

ليس بالضرورة ان تقترن كلمة قاتم او غامق بكلمة اسود، فهناك دائماً مساحة لذلك الاسود الكالح، او الباهت، او حتي الفاتح. صحيح ان الغالبية المظلمة في ذلك اللون تسيطر، مهما كانت الدرجة التي تصفها الكلمة التالية، لكن تلك الصفات وضعت الاسود في مصاف الألوان ذات الدرجات المتفاوتة، بعد ان كان متفردا بسواده.
****
ذلك اللون بالنسبة لصفية كان دائماً ذا معني، في الصغر عندما ارتدته الام واقاربها السيدات وقت ان سافر الاب الي حيث لم تعلم هي، كان يذكرها بأبوها الذي لم تره بعد ذلك اليوم، وكان هذا الجلباب الاسود الكالح الذي لازم أمها، هو الاسود الوحيد في حياة الطفلة الصغيرة.
وحتي بعد ان تخلت عنه الام، التي سبق أن أقسمت الا تخلعه، عندما تقدم لها احد أقارب زوجها الراحل، طالبا القرب، احتفظت صفية بالجلباب الكالح المعبأ برائحة دخان الفرن ولونه، وكلما أرادت رؤية والدها او شعرت بالحنين له، وضعت هذا الاسود علي وجهها وغاصت في ظلمته حتي النوم.
وكلما كبرت صفية كلما زاد تعلقها بالجلباب وسواده، خصوصا بعد تلك اللحظات التي كان يتملكها فيها الشعور باحتياجها للأب، مقترنا بالشعور بيد غليظة يملؤها شعر اسود قاتم، تمتد بين فخذيها، وتتحسس اماكن الإثارة هناك.
كانت اليد للقريب- الزوج، الذي راح جسد الصغيرة يفتنه اكثر من الام، حتي اصبح لا يقوي علي معاشرة الاخيرة، قبل ان تداعب يده ابنتها، فيشعر بالإثارة، ويعتلي الام، التي عادت الي السواد بعد المرة الأولي التي شاهدت يده فيها بين فخذي الفتاة.
وبينما كانت الزوجة تغمض عينيها عن فعلة الرجل، كانت صفية تدفن رأسها في الجلباب الاسود الكالح، ذلك الخاص بيوم رحيل والدها.
ظل الجلباب ملازما لها، حتي انه كان اول ما وضعته صفية في حقيبتها، وقت ان قررت الرحيل عن المنزل.
غادرت في الظلام، الي غير رجعة، ودون هدف محدد، ظلت تبحث عن مأوي حتي الصباح، عندما عثرت علي عشة ظنت انها مهجورة علي جانب طريق سريع.
كانت العشة مكان مناسب لفتاة لم تنم طوال ليلتها، لذا استلقت علي الارض فور دخولها والقت بحقيبتها الصغيرة تحت رأسها وراحت في نوم عميق، لم تصح منه الا علي شعور جديد بيد تتحسس ذات المكان.
انتفضت واستدارت فقفز فوقها ذلك المتحسس المتسلل، بشعر اسود غطاه التراب، فبدا باهتا، وعندما قاومته مزق ملابسها، واقتحم مكان لذتها بالقوة، وحصل علي مبتغاه، ثم رحل.
لملمت صفية جسدها العاري المنتهك، وغطته بجلباب أمها الاسود، وسارت ببطء بنفس مكسورة ومرهقة أيضاً، لمسافات طويلة لم تقدر علي حسابها، او حتي تذكرها، كل ما امتلأ به رأسها المحني، انها الان بلا مأوي او عذرية، وبلا هدف.
من جديد أغمضت عينيها واستحضرت سواد الماضي، وسارت في طريق يملؤه الناس، بينما لا تري هي منه الا اللون الاسود في كل مكان.
علي الرصيف، جلست، ساعات طويلة، وربما أياما، لم تحسب هي كم جلست، حتي ايقظها من سبات متعمد، ذلك الطفل الصغير، يمد يده اليها طالبا الطعام، قالها بصوت مرتعش "اريد لقمة"، وردت عليه بصوت خرج بالكاد من شدة التعب والجوع "وانا أيضاً".
بالقرب كانت حنان تراقب المشهد، هي ام الطفل، انجبته سفاحا من رجل شاركها المأوي الذي تنام فيه كل ليلة، تحت احد الكباري. ورغم انها لم تلتق به بعد ذلك، ولم تعرف حتي اسمه، احتفظت بالجنين، وأدركت فيما بعد ان السبب كان اقتناعها بمقولة قديمة سمعتها من سيدة عجوز تقول "العيال رزق".
وعملا بالمقولة فقد تحملت حنان مشقة الأشهر الأولي من عمر الطفل، حتي بدأت تحمله علي كتفها لتجلب من ورائه الرزق.
اقتربت حنان من الفتاة الجائعة المشردة التي افترشت الرصيف، عرفت قصتها، وعرضت عليها استضافتها، في الحديقة البعيدة التي تسكن فيها مع طفلها، الجائع دائماً.
في الطريق، وفي الحديقة، تقمصت حنان دور الناصحة الأمينة، وبدأت تمنح صفية خلاصة خبرتها، عن فن الحياة في الشارع.
"لا تغيري الاسود اذا كنت ترغبين في الحفاظ علي نفسك، فالجلباب الاسود ليس مثيرا ولا يوحي للزبون الا بالفقر".
"وفي المقابل أبحثي عن اللون الاسود، في ملابس الزبائن، في سياراتهم، في زجاج سياراتهم، فعندها ذات اللون يوحي بالثراء، والترف".
كان هذا هو سر الصنعة، الشحاذة، التي امتهنتها حنان منذ الصغر، والتي يبدو انها الخيار الوحيد امام صفية، الان علي الاقل.
اعلي الكوبري الذي تقف عليه حنان يوميا، تراقب طفلها، وهو يدق زجاج السيارات في الزحام، ليخبر أصحابها كم هو جائع، ومشرد، بدأت صفية اول يوم عمل لها.
علبتان كرتونيتان من المناديل الورقية، كانت وسيلتها لإقحام رأسها داخل كل سيارة، تماماً كما علمتها أستاذتها، الا انها لم تذكر أبدا ان الزبائن انواع، منهم من سينهرها بعنف، وسينظر لها باحتقار، ويتعامل معها باعتبارها مصدر الأوبئة، او مرعي للحشرات. وهم كثر.
وهناك من سيمنحها عملة معدنية او اثنتين، هي في الأغلب ليست ذات قيمة له، وهؤلاء قليلون.
اما النوع الثالث فهو ذاك الذي يفسر اقتحامها لسيارته، علي انه دعوة للتحرش بها. عندما يلتصق ثديها بزجاج سيارته، يمد يده المحملة بالخير، فتلمس هذا الناهد، وتأخذ مقابل صدقتها.
اكتشفت صفية الانواع الثلاثة سريعا، ولم تنكر بينها وبين نفسها انها فضلت النوع الثالث، لانه في الحقيقة كان يثيرها، واعترفت ذات يوم لحنان ان النظرة التي تراها في عين شاب يلمس جسدها خلسة، بينما ترتدي جلبابا اسود فضفاضا، تروق لها.
ثم تطور الامر، اصبحت صفية تبحث فقط عن ذلك النوع، ما ان تراه من بعيد حتي تتعمد السير بخلاعة مبتذلة، الي حد ما، امام سيارته، وباتت تقنع نفسها انها لا تتسول، لكنها تأخذ مقابل ما تعطي.
منحها هذا الشعور سلاما داخليا، جعلها تفكر في خطوات لتنمية إمكانياتها، بدأت بتضييق جلباب والدتها الاسود، من منطقة الصدر، ثم راحت تفك أزراره واحدا تلو الاخر، حتي بات صدرها مكشوفا، كلما انحني ظهرها بالزاوية التي تفضلها لممارسة "عملها".
ورغم ان صفية تجاهلت فيما بعد كل نصائح حنان، المتعلقة بإظهار الفقر والجوع والحاجة، امام الزبون، وتعاملت في بعض الاحيان بندية المنطق ذاته، "تأخذ مقابل ما تعطي"، الا انها لم تتخل عن نصائح اللون الاسود، فهؤلاء قائدو السيارات السوداء كانوا دائماً هدفها الاول، لا سيما انها ظلت ترتدي ذات الجلباب.
كانت تشعر بأن الاسود هو قدرها، تلهث وراءه، ويتبع ظلها، وهكذا كان عندما اصبحت معروفة بجلبابها الاسود في تلك المنطقة، للدرجة التي حولت مكان عملها الي نقطة التقاء بعض الشباب المتعطش للمسة مسروقة، وربما اكثر.
تلك الليلة غاب القمر تحت غيامات سحب الشتاء المحملة بالأمطار، وقررت وزارة الكهرباء إطفاء أعمدة الكباري لفترات معينة بهدف الترشيد، واصبح السواد يخيم علي المكان، يقطعه فقط كشاف سيارات تمر مسرعة علي فترات متباعدة.
ليلتها يأست صفية من مكسبها، لكنها جلست علي الرصيف علي امل العودة بثمن عشاء ساخن، يعينها علي تحمل برد الحديقة- المأوى، عندما توقفت بالقرب منها سيارة، وأطلقت نفيرها مرتين متتاليتين للفت انتباهها.
كانت السيارة المثالية، فارهة، سوداء، مغلقة النوافذ، المعتمة سلفا بفعل لونها الاسود، وبداخلها رجل، متوسط العمر، بحلة سوداء أيضاً، وشعر كثيف، اسود، مرتب بعناية.
وقفت، استعدت، تأكدت بحركة سريعة، محترفة، ان أزرار جلبابها مفتوحة، وانه لا عائق امام يد الزبون المثالي، ليعبث بثديها المتدلي منه، مقابل ان يدفع ثمن العشاء.
خطوات قليلة كانت تفصلها عن السيارة، راودتها الفكرة خلالها، "ماذا لو طلب اكثر من ذلك؟، الليلة مظلمة، والسيارة بزجاج اسود، والمقابل حتما سيكون كبيرا"، ثم عادت لترفض، "لا بأس بلمسة عابرة، فقط لمسة، لن اسمح بأن اتحول الي حنان جديدة، مع طفل دون اب، مشرد، وجائع، طول الوقت.. تكفي لمسة".
لم يكن الاختيار متاحا لصفية، التي لاصقت بجسدها السيارة كالمعتاد، وانطلقت تقول عباراتها المحفوظة عن ظهر قلب، وبدا الامر طبيعيا، حيث راحت يد الزبون الي حيث تعلم جيدا، وبدأت تأخذ مقابل ما ستعطي، غير ان الوقت طال.
ظهر ثدي الفتاة أبيض، خلف الجلباب الاسود، أضاء العتمة في عين الرجل، الذي أمسكها بقوة عندما بلغت رغبته مداها، فتح باب سيارته بسرعة، ترجل، وجذبها بعنف الي الداخل، اطفأ انوار سيارته التي كانت لا تزال مضاءة، تأكد من إغلاق الأبواب بإحكام، فبدت السيارة من الخارج، كتلة سوداء معتمة، تقف في سكون علي جانب الكوبري.
اما في الداخل، كانت صفية تصرخ في وجهه، لكن دون صوت، تتوسل بغير حس، ترجوه ان يتركها بلا رغبة حقيقية في ذلك، بينما كانت يده تطمع في اكثر من لمسة عابرة، راحت تتفحص جسدها، كل جزء فيه، بعنف وشهوة، وعندما بلغ الذروة، قفز من مقعده، رفع جلبابها الاسود، غطي به وجهها، الذي لم يكن يحتاجه البتة، وأخذ ينهل منها.
اما هي فقد أمسكت جلبابها المفضل، دفنت فيه وجهها، وراحت تتذكر ذلك اللون الذي ارتدته أمها في الصغر وقت ان رحل الاب، والذي غطت به رأسها بعد ان امتدت عليها يد القريب- الزوج، والذي سترها بعد ان مزق الغريب ملابسها، ثم فتح لها ابواب الرزق السهل، بعد ان ضاق صدره وفكت ازراره.