الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

الوسط الصحفي


 
في الوسط الصحفي تتعلم أنه لا معنى لكلمات مثل الصداقة، والعيش والملح، والمهنية، والمعايير، والرجولة، واحترام الذات. ضحكت من صديق علق على موقف أحد الزملاء من مشاهير الصحفيين معي قائلا "طيب بلاش المهنة، مفيش حساب للعيش والملح والعشرة؟!". في وسطنا تكون ناجح فقط عندما تملك القدرة على سحق الاخرين، وتدميرهم، حتى وإن لم يفعلوا لك شيئا، يكفيك زهوا بنفسك أن  تضع رأسك في الليل على وسادتك وتمارس لعبتك المفضلة حتى تنام، "عد الضحايا مش الخرفان".

في الوسط الصحفي ترى الوجوه الحقيقية للرموز الوطنية والاعلامية، تدرك أن المتشدقين ليل نهار بحقوق الانسان هم أول من يخترق مواثيقها، وأن هؤلاء العاتبون والمطالبون بقطع رقبة ضباط الشرطة المتهمين بتعذيب المواطنين، يمارسون أبشع أنواع التعذيب وصولا لمصلحتهم، تكتشف أيضا أن من ملئوا رؤوسنا بالكلام دفاعا عن حرية التعبير، وعن حق الصحفي في الحصول علي معلومة، وعن معايير ومواثيق الشرف المهني، يقتلون بأيديهم يوميا عشرات الصحفيين الشبان الطامحين في فرصة تعيين وعمل محترم، ولا يجدون حرجا في استنزافهم وابتزازهم ثم ركلهم بالأقدام خارج مؤسساتهم كما الحيوانات الموبوءة، ثم يطلون في كامل أبهتهم ليلا على ملايين المعجبين ليدينوا الظلم والفساد والقهر الذي تمارسه الحكومات، ليحرضوا الناس على ثورة لا تقترب منهم، ولا تمس مصالحهم.

في الوسط الصحفى تتعذب عندما تجلس في محاضرة تدريبية عن تحصين عملك الصحفي المحترم قانونيا وتوثيق معلوماتك لتستطيع مواجهة الفساد، ثم تجد المحامي نجاد البرعي محاضرا فيها. تأسف عندما تسمع تعليقات الأبرياء من متلقي التدريب يتحدثون عن نزاهة الرجل وقدرته على مواجهة الفساد بالقانون، ومواقفه دفاعا عن الحريات.

في الوسط الصحفي يجرحك كل يوم يمر عليك وأنت تعمل مع رئيس تحرير ظالم، أو فاشل، أو ضعيف، ثم لا تجد نفسك مندهشا عندما تعرف أن ياسر رزق يهدر بيده دم أقرب الاصدقاء، ويدمر بإهماله مستقبله، ويتحدث عن الصديق الذي باعه، ويحتفل بعدها بمنصب رئيس مجلس ادارة جريدته الأم.

في الوسط الصحفي يتقلد شخص تافه منصب كبير بقدرة معارفه ليتحكم في أرزاق أسياده، ويفخر يوميا بأنه فصل هذا وعين ذاك، ثم يأتي يوم يبثق فيه أحدهم على وجهه القبيح، ويصمه للأبد.

في الوسط الصحفي يكفي أن تقنع نفسك بأنك صحفي بالفطرة، ليصبح من حقك أن تنكر جميل من ساعدوك، وأن تطعن في سمعتهم في أقرب فرصة، أو أن تخجل من الزود عنهم. أنت اذن في "السيف سايد". أو أن تصدق ما وهمت به نفسك من امتلاكك لقدرات صحفية خارقة وتعتبر أن منصب رئيس التحرير التنفيذي قليل عليك، فتتآمر للحصول على ما هو أعلى، متناسيا أنك اعترفت بقلمك ذات يوم أنك في الكتابة "ثور الله في برسيمه"، فما بالك بالادارة.

في الوسط الصحفي يعتلي ضياء رشوان منصة الدفاع عن حقوق الصحفيين ثم لا يفعل شيئا سوى الظهور على شاشة الاوربت كل ليلة.

في الوسط الصحفي لا مكان للمحترمين أو المهنيين أو الشرفاء أو المجتهدين، لأن هؤلاء يحملون لقب "الصحفيين الوقيع" في زمن صحافة الكلاب.