الأحد، 19 مايو 2013

انا لله والوطن


في مكان بارز ومميز، اختارته بعناية، وضعت صورة كبيرة له. بجوارها وضعت نتيجة لعام 2012، وميزت يومين بعلامة حمراء ملفتة للنظر، هنا يوم ميلاده، وهنا يوم رحيله.

هي أم أو أخت أو زوجة شهيد، أعلنت أنها لن تغير نتيجة العام الماضي ليحل محله عام جديد، حتي وإن اختلفت ظروف هذا عن ذاك، وإن أصبح الحال أفضل، سيبقي 2012 بالنسبة لها هو العام الذي توقفت عنده الاحلام.

(1)
في مساء الاربعاء 1 فبراير، سقط 74 شهيدا جمعهم حب النادي المفضل لهم، وجمعتهم نهاية واحدة، سقطوا في أو من مدرجات الاولتراس باستاد بورسعيد، وفي القاهرة حيث ذويهم سقطت الأماني أيضا.

(2)
رفع المؤذن آذان المغرب، في الوقت الذي جهز فيه الرفاق فطورهم، طعام بسيط لكن اللمة جعلته مميزا، وقبل أن يشق الصائمون ريقهم، سالت دماؤهم علي المائدة الصغيرة، لتترك يوم 5 أغسطس تاريخا مختلفا عند أهالي 16 مجندا مصريا علي الحدود في سيناء.

(3)
علي الطريق الوعر، في الثامن من أكتوبر، سارت اللوري المتهالكة، ببطء وانحرافات متتابعة اعتاد عليها الجنود، لكنها اليوم بدت أصعب وأكثر حدة، ورغم ذلك لم يشعر بها الركاب الفرحين بالأجازة، بعضهم كانت الرحلة بالنسبة له الأخيرة، بصوت خافت تحدثوا عن أحلامهم، الزواج والوظيفة والراحة من التدريبات، لكن اللورى سبقت أحلامهم بالانحرافة الأخيرة، سقطت فى إحدى المنحدرات، مع 22 شهيدا من حمولتها.

(4)
أجبرته علي النزول، ونظرت له نظرة أخيرة من شباك غرفته، ثم دخلت دون أن تتابع عجلات الاتوبيس وهي تغادر من أمام المنزل كعادتها، كانت تستعد لتحضير وجبته المفضلة علي الغذاء، فاليوم طلبها خصيصا. في المطبخ سمعت صوته، خائفا يناديها، بحثت عنه في الشقة ولم تجده، لكن الصوت قادها نحو شريط السكة الحديد القريب من المنزل، ولم تر هناك سوي القطار رقم 165 ملطخا بدم طفلها و 51 صبيا وفتاة من زملائه، تاركا في كراساتهم صفحات بيضاء فارغة بتاريخ 17 نوفمبر.

(5)
في الذكري الأولي 19 نوفمبر نزلوا، نطالب بالقصاص للشهداء، هكذا هتفوا، ثم أكدوا أن وقفتهم سلمية، وما كادوا يتذكرون من ماتوا في الشارع الشهير محمد محمود، حتي عادت الاشتباكات، كأن الزمن لم يمر، والسنة الماضية كأنها اليوم حاضرة، سقطوا في نفس المكان، وعلي الجدران ذاتها رسمت صورهم تجاور السابقين.

(6)
كان الاعتصام سلميا، حتي ظهر صوت الاقدام الغاضبة، تتجه نحوه، اندس بينها من اندس، حمل سلاحا في وجه أعزل، وأطلق رصاصة في رأس صحفي، وثارت الفوضي وحصدت مكاسبها، 10 شهداء من الجانبين، والجاني مجهول، ما هو معروف فقط أن اليوم كان 5 ديسمبر، وأن الموت لا يفرق بين اخواني أو ليبرالي.

في بيوت الشهداء لا صوت يعلو فوق صوت الحزن، واستقبال عام جديد بأماني جديدة رفاهية لا معني لها في تلك البيوت، لكن رغم الحداد تبقي أمنيات الأطفال والشباب والآباء الذين رحلوا، تطوف حول أمهاتهم وآبائهم، لا توقفها صرخة مفاجئة لأم استيقظت في الليل وافتقدت أطفالها، أو دمعة انهمرت من عين أب رغما عنه علي ولده الوحيد.

قبل نهاية عام وبداية آخر نتذكر من رحلوا، أحلامهم، وأماني ذويهم، ندين لهم بوطن جديد، يحقق لمن تركوهم كل الأماني، عندها فقط لن نحتاج لتقديم العزاء للمزيد من الأهل، ولن نقول سوي ما قاله الرائع محمود درويش "إنا لله والوطن".
1/1/2013

الشيماء عزت